هل يجب عليك تجنب الغلوتين؟ وجهة نظر مدرب صحي
في عالمنا اليوم، الذي يولي اهتمامًا بالغًا بالصحة، أصبح الغلوتين موضوعًا شائعًا. بصفتي مدربة صحية، غالبًا ما أعمل مع عملاء يعانون من الانتفاخ واضطرابات المعدة وعدم انتظام حركة الأمعاء. ويطرحون عليّ السؤال نفسه مرارًا وتكرارًا:
هل يجب علي تجنب الجلوتين؟
الإجابة ليست بهذه البساطة. فبينما يُلام الغلوتين غالبًا على مشاكل الهضم، إلا أن تأثيره يختلف باختلاف قدرة تحمل الفرد، والظروف الصحية الكامنة، وحتى نوعية القمح الذي نستهلكه. يلعب الغلوتين، وهو بروتين موجود في القمح والشعير والجاودار، دورًا رئيسيًا في منح الطعام قوامه ومرونته. إلا أن علاقته بصحة الأمعاء، والالتهابات، وممارسات الزراعة الحديثة جعلته موضوعًا مثيرًا للجدل في عالم التغذية والصحة.
في هذه المقالة، سوف نستكشف من يستفيد حقًا من تجنب الجلوتين، وما إذا كان ذلك ضروريًا للصحة العامة، وكيف يلعب استخدام المبيدات الحشرية في زراعة القمح - وخاصة في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة - دورًا مهمًا في هذه المناقشة.
من يجب عليه تجنب الجلوتين؟
1. مرض الاضطرابات الهضمية - حالة غير قابلة للتفاوض وخالية من الغلوتين
الداء البطني هو اضطراب مناعي ذاتي، حيث يُسبب الغلوتين التهابًا وتلفًا معويًا. يُصيب هذا المرض حوالي 1% من السكان، ويتطلب تجنبًا صارمًا للغلوتين مدى الحياة. حتى الكميات الضئيلة منه قد تُسبب ضررًا طويل الأمد، مما يجعل من الضروري لمرضى الداء البطني الامتناع عن الغلوتين تمامًا.
2. حساسية الغلوتين غير السيلياكية (NCGS) - مصدر قلق متزايد
يعاني الكثير من الأشخاص من أعراض مثل الانتفاخ والتعب وتشوش الذهن وآلام المفاصل بعد تناول الغلوتين، حتى لو لم يكونوا مصابين بالداء البطني. تُعرف هذه الحالة بحساسية الغلوتين غير البطنية (NCGS)، وترتبط بارتفاع مستويات الزونولين، وهو بروتين ينظم نفاذية الأمعاء (يُشار إليه غالبًا باسم "الأمعاء المتسربة"). بالنسبة لهؤلاء الأفراد، يمكن أن يؤدي تجنب الغلوتين إلى تحسينات كبيرة في نوعية حياتهم.
3. الأمراض المناعية الذاتية والالتهابية - هل يمكن أن يكون الجلوتين محفزًا؟
بالنسبة للمصابين بأمراض المناعة الذاتية، مثل التهاب الغدة الدرقية هاشيموتو، أو التهاب المفاصل الروماتويدي، أو متلازمة القولون العصبي (IBS)، قد يكون الغلوتين مُحفِّزًا للأعراض. وقد وجدت دراسة أُجريت عام ٢٠١٩ أن اتباع نظام غذائي خالٍ من الغلوتين يُقلِّل من الأجسام المضادة للغدة الدرقية ويُحسِّن وظائف الأمعاء لدى مرضى التهاب الغدة الدرقية هاشيموتو. إذا كنت تُعاني من حالة مناعة ذاتية أو التهابية، فقد تُساعدك تجربة نظام غذائي خالٍ من الغلوتين في تحديد ما إذا كان الغلوتين يُساهم في ظهور أعراضك.
ما وراء الغلوتين: عامل الجليفوسات في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة
في حين أن الغلوتين نفسه غالبًا ما يكون محور الاهتمام، إلا أن هناك عاملًا حاسمًا آخر يجب مراعاته: الجليفوسات. هذا المبيد العشبي واسع الاستخدام شائع الاستخدام في زراعة القمح في أوروبا والمملكة المتحدة، ولا يمكن تجاهل آثاره الصحية المحتملة.
-
لوائح الاتحاد الأوروبي: في عام 2023، مددت المفوضية الأوروبية موافقة الجليفوسات لمدة 10 سنوات أخرى (حتى عام 2033)، على الرغم من أن دولاً مثل فرنسا وألمانيا فرضت قيوداً.
-
اللوائح البريطانية: وتسمح المملكة المتحدة باستخدام الجليفوسات حتى عام 2025 على الأقل، مع قيام العديد من المجالس المحلية بالحد من استخدامه بسبب المخاوف البيئية والصحية.
-
التأثيرات الصحية: تشير الأبحاث إلى أن الجليفوسات قد يعطل ميكروبات الأمعاء، ويساهم في الالتهاب، ويعمل كمعطل للغدد الصماء.
وبالإضافة إلى الجليفوسات، تُستخدم مبيدات أعشاب أخرى مثل فلوفيناسيت وميتريبوزين أيضًا في زراعة القمح، مما يثير المخاوف بشأن التعرض للمواد الكيميائية من خلال نظامنا الغذائي.
هل يجب على الجميع تجنب الجلوتين؟
بالنسبة للأفراد غير المصابين بداء الاضطرابات الهضمية، أو حساسية الغلوتين، أو أمراض المناعة الذاتية، لا يوجد دليل قاطع على أن الغلوتين ضارٌّ بطبيعته. ومع ذلك، فإن جودة القمح الذي تستهلكه تُعدّ أمرًا بالغ الأهمية.
-
القمح المكرر: غالبًا ما يتم تجريد المنتجات مثل الخبز الأبيض والمعكرونة والمخبوزات المصنعة من العناصر الغذائية وقد تحتوي على مواد حافظة وإضافات وبقايا مبيدات حشرية.
-
الحبوب الكاملة: يوفر القمح الكامل والشعير والجاودار والهجاء الألياف الأساسية وفيتامينات ب ومضادات الأكسدة، التي تدعم صحة الأمعاء والوظيفة الأيضية.
-
FODMAPs مقابل الجلوتين: ومن المثير للاهتمام أن العديد من الأشخاص الذين يعتقدون أنهم يعانون من عدم تحمل الغلوتين قد يكون رد فعلهم في الواقع على الفودماب (الكربوهيدرات القابلة للتخمير الموجودة في القمح) وليس الغلوتين نفسه.
الحكم: هل يجب عليك التوقف عن تناول الجلوتين؟
إذا كنت تعاني من مرض الاضطرابات الهضمية أو حساسية مؤكدة تجاه الغلوتين، فمن الضروري تجنب الغلوتين تمامًا. بالنسبة لمن يعانون من أمراض المناعة الذاتية أو الالتهابات، قد تساعد تجربة نظام غذائي خالٍ من الغلوتين في تحديد ما إذا كان الغلوتين هو المحفز لأعراضك.
بالنسبة لعامة الناس، ليس من الضروري التخلص من الغلوتين، ولكن إعطاء الأولوية للمصادر العضوية والحبوب الكاملة على القمح المُصنّع يُعد نهجًا أكثر توازناً ووعيًا بالصحة. ونظرًا لانتشار استخدام الجليفوسات ومبيدات الأعشاب الأخرى في زراعة القمح في أوروبا والمملكة المتحدة، فإن اختيار الحبوب العضوية أو المطحونة تقليديًا يمكن أن يُساعد في تقليل التعرض للمواد الكيميائية الزراعية التي قد تُسبب اضطرابات معوية.
في نهاية المطاف، الغلوتين بحد ذاته ليس ضارًا، لكن طريقة معالجته وزراعته واستهلاكه تُحدث فرقًا كبيرًا. باتخاذ خيارات مدروسة بشأن الأطعمة التي نتناولها، يُمكننا دعم صحتنا وسلامتنا دون قيود غير ضرورية.